الوشاح الأبيض

أبوك رجل طيب القلب. ألست توافقيننى على هذا يا بنية؟؟ وقد تكون السيدة وفتاتها فى مثل هذه اللحظة منكبتين على الغسيل تعركان بين أيديهما أخلاطا من ملابس متلاحقة الطول فتنظر ابنتها إلى الماء الكدر ولا تلبث حتى تهمس: وهل فى ذلك شك يا أماه؟! وتستطرد السيدة: أليس من الجائز أن نكون من الأغنياء يا درية فى يوم من الأيام؟ غيرى الماء. صبى قليلا من الماء الساخن. لا تضغطى الصابون هكذا حتى لا يتآكل.. ولا تعركى القميص هكذا حتى لا يتمزق. نعم. نعم. هنالك ناس يدخلون الحياة من باب الفقر ثم يخرجون منها من باب الغنى. ويقع العكس.. آه.. هو كذلك, وأظننا من الأولين. شئ واحد أرجوه وأبتهل به إلى الله فى صلواتى, أن أعيش وألا يتغلب المرض على جسمى المرهق فأشرف على تهيئة بيتك. أبوك رجل طيب. أعانه الله. ولكن حظه فى الحياة هكذا. وربما حظه فى أبنائه خيرا من حظه الشخصى. جائز وتكفان عن الكلام وتأخذ كل واحدة منهما فى النظر إلى الفقاقيع التى تولد وتموت تباعا بلا انقطاع على صفحة ماء الغسيل فى الطست. وتستمع إلى نغمته الرتيبة التى تنشأ من احتكاكه بالبلاط من تحته. ثم تستأنف العذراء الحديث بعد أن يطول إنصاتها إلى الموسيقى النحاسية التى تصاحب خضخضة الماء. لا علينا ياأماه.. سأتم دراستى هذا العام.. وسأسرع إلى معاونة أبى.. أما زواجى فهو شئ لا أفكر فيه. وساد الصمت وعادت الموسيقى المعهودة تنصب فى الأسماع, ورمت الأم طرفها برفق حتى وقع على وجه فتاتها فإذا بالجد والعزم يملآن صفحته المستطيلة, وإذا عقدة جميلة صغيرة قد ولدت فى أعلى الأنف بين الحاجبين كأنها سلاح لطيف ترفعه فى وجه الزمن. وليس من شك مطلقا فى أن الأم دعت بقلبها وشكرت بضميرها فضل الله. ثم استمعت إلى نفسه وهى تقول لها: -جائز.. جائز جدا.. ربما كانت خيرا من فتى مخنث.